جزيرة الضباب و لؤلؤة سوداء

جزيرة الضباب و لؤلؤة سوداء
رواية اسطورية جسدت ملامح تاريخيه عظيمة و تحكي عن زمن الفرسان و الاساطير القديمة ، وتلعب احداثها عن حكايات و معارك قتاليه طاحنه ، لاتفوتوا عليكم اروع روايات الخياليه ، استمتعوا ^^

الأربعاء، 29 يونيو 2016

الفصل الثالث : البعث

الفصل الثالث
البعث

في ليلة ممطرة و عاصفة ، كان كارلوس نائما في غرفته كأي ليلة أخري و كان تابعه المخلص و الوفي دانيال في الغرفة المجاورة كالعادة ، شئ متوقع من فارس يخدم سيده حتي يكون مجاورا له في القبر ايضا ، فلا يجاوره حتي في الغرفة !؟ ، بالطبع إنه كذلك .


أستيقظ كارلوس من نومه الجميل ، متكاسلا منزعجا غاضبا و فيه كل علامات الضجر من إزعاج ليس بيد البشر ، ما أزعجه صوت الرعد المفزع للغاية و هو يزمجر في السماء الماطرة ، فكم هو سئ أن يستيقظ المرء من نومه بعد يوم تعيس كئيب علي صوت مفزع رهيب ، بعد أن قضي يومه في تعب و إنهاك فكل مايرغب به هو نوم لطيف جميل يزيل كل إرهاق مرير ، ولكن ليس هذا ما حصل عليه فارسنا صاحب الذوق الرفيع .


بعد الاستيقاظ الموحش من النوم ، بدأ كارلوس يتجول في غرفته المظلمة متوجها نحو نافذته المطلة علي أرجاء المملكة العظيمة ، منظر مظلم و جميل بطريقة غريبه مع صوت الغيث الرقيق و نسمة خفيفة تعصف بوجه و تحرك خصلات شعره من المقدمة حتي جوانب رأسه .


تأمل بكل رقة و نعومة واضعا يده علي لوح نافذة و يفكر في ما جري له من احداث متسارعه ربما تغير نمط حياته الي الأبد ، بدأ يتبادر الي ذهنه معاناة الناس في المدينة و قهر و بطش الملك لهم ، و بدأ يفكر في كلام الرجل الغريب الذي سبق و ظهر له في حانة المدينة و قال له كلاما غريبا عجيبا لا يفهم مقصده ولا يعبر عن محتواه .
و بدأ يفكر ايضا في مسألة الاحجار المقدسة و صحة معلومات عنها و إنها بالفعل تعطي القوة لصاحبها لدرجة أن تجعل منه إله !؟ ، كل الامر مثيرا للسخرية بشكل عجيب ، أي إله هذا يسمح بسقوط أحجار كهذه لتقع في يد البشر !؟ ، هذا ما كان يتبادر الي ذهن كارلوس ، لقد كان الامر واضحا تماما وهو أن كارلوس يعاني من تشكيك في تلك القصص و الخرافات التي يروجونها الكهنة في كل مكان .


و رغم ذلك أعطاها بعضا من الأهمية و وضعها في عين الاعتبار ، و لقد قالها بنفسه عندما قام بتزييف الحجر بإستخدام بعض السحر و خبأة الحجر الحقيقي في عتمة الكهف و أقام عليه حاجزا سحريا لا يفتح ابدا ، و قال بالحرف الواحد " حتي إذا كنت لا أصدق هذه الخرافات عليا ألا أسمح له بالحصول علي الحجر ، من يدري قد أكون مخطئا ، و قد تكون تلك الاحجار حقيقية ، عندها سيصبح إلها بالفعل ! ، و لهذا أظن ان العالم ليس في حاجه للمزيد من الدمار و الخراب ، يكفي ما هو عليه الأن " .


أخرج كارلوس الورقة البيضاء الغريبة التي أخذها من ذلك الرجل الغريب الذي التقي به في الحانه ، و بدأ يتأملها و يتفحصها بعمق شديد ، ولكنه لا يستطيع أن يفهم مغزاها ابدا ، كل ما يراه مكتوبا عليها هو " إتـــجـــه نـــحـــو الـــنـــور حــيــن تـــنــادي عــلـــيـــك الـــمــلائـــكــة " ، أي نــــور !؟ ، مـــلائــــكــة !؟ ، تــــنـــادي عـــلـــي !؟ ، أنـــــا !؟ ، لا شئ يستطيع فهمه أبدا ، كل ما حاول يجد نفسه مرهق التفكير ، و ضغط ذهني بلا أي فائدة ، مؤخرا كل شئ بدأ يتغير بأكمله ، و بدأ يتحول من الأبيض الي الاسود ، و الوجوه التي كانت في يوم ما أحب الوجوه ، أصبحت اقبح الوجوه و أشرسها ، اسئلة بلا جواب ، و تفكير في المجهول ، شيئان كفيلان بأرهاق عقلك تماما .


ربما الشئ الوحيد الذي سيكون جميلا الأن هو أن يخلد كارلوس الي النوم و يترك هذا الأمر الي وقته المقدر ، أو بالأحري الي الموعد الذي سيطرق فيه سمع كارلوس علي أبواب السماء ! ، عاد كارلوس الي فراشه الحنون ليكمل نومه اللطيف فما ينتظره سيقلب حياته الي الأبد ! .
في هذه الأثناء و في معبد الأوليمبس :-
كان يتواجد كل كبار كهنة و سحرة المعبد في سرداب عميق يقبع تحت الارض ، لايدخله الا كبار الكهنة و السحرة و كبار المختارون ، حيث تجرى هناك العديد من طقوس و الأجتماعات السرية بعضها حميد و الأخر خبيث .
اجتمعوا جميعهم هذه الليلة بأمر من كبير الكهنة و يعرف بأسم " أويراس " ، بعد أن ارسل لهم جميعا برقية سرية طالبا منهم ضرورة المجئ فورا الي المعبد لمناقشة قضية حساسه و مهمة للغاية .


يعتبر اويراس كبير كهنة المعبد حيث يبلغ عمره حوالي 65 عاما ، تزعم في البداية معبد أبولو الواقع في الجنوب الغربي للأمبراطورية ، و انتقل بعدها بوفد ملكي ليحكم معبد الأوليمبس في أليكسندروبوليس .
و بدأ الاجتماع في المكان المخصص له و هو تحت الأرض ، حيث الاناره الكئيبه ولا تجد سوى بعض التماثيل الوثنية و الرسومات الغريبه علي الحائط و كل الانفاق التي توجد هناك كان مصدر انارتها عبارة عن شعلة خشبية معلقة علي الحائط ، كان المكان بوصف أدق " مشبوه و غريب " .


أستفتح كبيرهم " أويراس " الجلسة بصوت خاشع و كأنه يتلوا صلاته قائلا : " بأسم ألهتنا و كبير ألهتنا زيوس ابن الأله الأكبر كرونوس ، أحب أن ارحب بكم جميعا يا أخوتي في جلستنا المباركة لأجل قضية و مشكلة عظيمة ، كما تعلمون يا أخوتي ان الألهه لقد قررت ان تنزل بنعمتها علي البشر و تعطيهم بعضا من رحمتها و تريد من بشر ان يرتقوا الي منزلة عظمي ، كما تعرفون جميعا في نبؤة السابعه من كتاب بينداليس الأكبر حيث تتحدث عن سقوط أحد الاحجار المقدسة و المعروف بأسم الحجر الأسود ، و تجسد في نبؤة موعد سقوطها و هو في اليوم السابع من الشهر الأول في العام 744 من تقويم القمري الأغريقي ، و لكن كما تعلمون لقد شهدنا بأم أعيننا أن النبؤة كانت كـــاذبــــة ! " .


و أكمل قائلا : " وللأسف و بعد معاناة ، لقد أتضح كما شهدنا جميعا أن الحجر ليس الحجر المنشود الذي كنا نسعى إليه ! " .

فنهض أحد الكهنة و يعرف بأسم " بيدروس " و أحد الكهنة الكبار يبلغ من العمر 60 عاما ، رجل ضخم بدين ، يعشق الطعام و كل ما هو لذيذ ، و هو متعصب و عنيد و يعتبر من المعروفين الذين يتزعمون الحاشية الملكية ، و كان لديه في السابق رتبة القائد الأمني للبلاط الملكي و كان مسؤولا عن حماية القصر بأكمله ، فبدأ بعرض رأيه لربما يفيد الأجتماع المنعقد حاليا ، فقال :-
_ : " بحكم الأحداث التي وقعت مؤخرا يمكنني ان أتي بإحتمالين ، الأول هو إما النبؤة قد تم تلاعب بها و تحريفها من قبل أحد الكهنة القدماء لحفظ الأمن و السلام في الأرض و بذلك تصبح رواية النبؤة غير صحيحه " .

فقال له أويراس وهو يترقب الأجابة : " و الإحتمال الثاني !؟ "

فقالها بيدروس بخشية و صوت يائس : " و الثاني يا كبير الكهنة هو إننا تعرضنا ... تعرضنا ... للـــخـــيانــــة و الـــخــــداع !!!! " .


جَزَعَ كل من في القاعة بأكملهم و ضربهم الخوف و القلق من أن يكون الإحتمال الثاني هو الأقرب للواقع و المنطق ، فهم يعلمون حجم الكارثة التي يمكن أن تحصل إن وقع الحجر في يد الخطأ ، فهذا الحجر للأسف ليس كمثله من الأحجار ، إنه حجر الخراب و الدمار ، و الألهه تبعثه للفتنة فيما بينهم لتري كيف سيعمل الحجر إن تمكنوا البشر من سيطرة عليه جيدا .


بعد الخوف و القلق تكلم الكاهن " أوكشيباس " وهو كاهن عجوز جدا تجاوز ستينات من عمره ، كان هذا العجوز من يستقبل الناس في المعبد و يستغفر لهم للألهه و كان يدعوا للجنود أثناء المعركة و الحروب و هو لربما يكون أعلمهم بالنبؤة ! ، فقال أوكشيباس :-
_ : " ولكن من يجرؤ علي علي خيانتنا ، فكما تعلمون جميعا ، لقد أرسل الملك كارلوس ماكسيميليا و تابعه دانيال ليكون قائدا لتلك البعثة لأجل أحضار الحجر ، وهما الوحيدان اللذان رأو مكان سقوطه و هما من أحضره " .
فسأل الكاهن بيدروس سؤالا منطقيا : " لماذا قرر الملك اختيار كارلوس ماكسيميليا بالذات ليكون قائدا لهذه البعثة المهمة للغاية !؟ " .


فأجاب كبير الكهنة أويراس علي سؤال بيدروس المنطقي و قال : " حسب ما تشير إليه مصادرنا فإن كارلوس ليس سوى كافر و ملحد و لا يؤمن بالمعتقدات دينية أبدا ، فأختاره الملك لإنه يعلم بهذا الامر و سيكون هذا أشبه بضمان لكي لا يستعمل كارلوس الحجر او يقوم بسرقته ، فكان يظن جلالته أن كارلوس يحتقر و يستخف بهذه الاشياء ! " .

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الفصل الأول : النبؤة تتحقق



الفصل الأول

 النبؤة تتحقق





[ نعتبر نحن البشر في عالمنا مجرد كائنات تعيش في نظام لا ينتهي من فرض الأوامر و الخضوع للسلطات ، نعيش حياتنا وفق نظام يحكم معتقداتنا و هيئتنا و كل افكارنا ، ذلك النظام عرف فيما بعد بالروتين ، أصبحت حياتنا أشبه بالماشية التي تأكل و تنام و يحكمها راعي في حظيرته و يفرض عليها كيف تعيش حياتها] . 

[ ولكننا بطريقة أو بأخري نجد أنفسنا نختلف عن تلك الماشية في بعض السمات الفكرية بعض الشئ ، أصبحنا نعيش كل يوم بيومه ، لا نكترث للزمن الذي يجري ، لا نكترث للحاضر او حتي مجرد تفكير في المستقبل ، لماذا نعيش حياتنا علي النمط !؟ ، لماذا نفرض علي ذاتنا حياة لم نخترها ، أو لم نقررها ، لماذا الكون يسير علي هذا المنوال !؟ ، الآلهة هي الآلهة ، الملوك هم الملوك ، و الضعفاء هم الضعفاء ، الذين لا يمكنهم توفير لقمة عيشهم حتي ! ] . 
[ عندما يكثر الظلم و الإستبداد ، في المجتمعات التي تخضع للسلطة الفاسدة ، حينها يدق جرس السماء ليخضع القدر للإنسان النبيل الذي يسعي لتغير العالم للأفضل ] .

ما أنا علي وشك إخباركم به قد لا يصدقه العقل ، فالبعض يعتبرها خرافات و حكايات قديمة ، حيث يصنفها الأدبيون و المثقفين علي إنها أساطير العالم القديم ، او بعبارة أكثر حداثه ( الميثولوجيا ) ، ولكن ماذا عن تلك الشعوب القديمة التي أمنت بهذا الشئ ! ، كيف تري تلك المعتقدات في نظرها الشخصي !؟ .
لما لا نفتح بوابة الزمان و المكان ، و ندخل الي عالم مختلف تماما عن عالمنا ، تلك البوابة التي علي وشك ان تعبروها ، سوف تخربكم بقصص كثيرة جدا ، اعتقد قد حان الوقت للجلوس و الإستماع ، فربما لم يقصصها عليكم احد من قبل بهذه الطريقة التي ستغير معرفتكم لعالم الاساطير .

 في الزمن الماضي و البعيد ، حيث كان للحضارات مجدها و خلودها ، وكان للفرسان هيبة و عظمه ، و كان للملوك فخامتها و عرينها ، كان هناك إمبراطورية يونانية عريقة جدا ، عرفت بمدينة أليكسندروبوليس ، تلك المدينة التي إزدهرت بأسمى أنواع العلوم ، و إشتهرت بفنها العريق و جمال بنائها الكبير . 

كان لتلك المدينة ملك غير كل الملوك ، كان ما يميزه عن باقي الملوك هي أنه شديد الذكاء ، سريع البديهة ، قوي اللكنة ، شديد البأس ، ذلك الملك الذي يسعي بأن يكون في يوم من الأيام أحد الآلهة المقدسة . 
ذلك الملك يعرف بإسم ( إيبيريوس ) ، يبلغ إيبيريوس من العمر حوالي 47 عاما ، تولي العرش بعد مقتل والده الملك هيكتور السابع ، عاش إيبيريوس في البلاط الملكي لوالده و تسلم الحكم وهو في ثاني عشر من عمره ، خاض حروبا طاحنه ضد الفرس ، و ساعد القيصر بلاموديوس علي تأمين العاصمة إثينا بعد سيطرة الفرس و هجوم عليها و تدمير معبد آلهة الأوليمبس . 

في تلك المدينة و في منتصف الليل كان هناك من يشعل نار تخيم علي شواطئ بحر المدينة ، كانوا أولئك الأشخاص هم صيادون الذين يقضون ليلتهم في ذلك اليوم ، حيث كانت تلك ليلة عبارة عن ليلة إحتفال بسيط ، بعد أن تمكنوا من صيد كمية كبيرة من الأسماك و الفواكه البحرية ، التي ستجلب لهم الكثير من المال بعد بيعها في الاسواق في يوم غد .


و أثناء احتفالهم البسيط وهم يلقون نكات الخفيفة ، فجأة لاحظ أحدهم شيئا لامعا و غريبا يسقط من عتمة السماء ، محدثا شعاعا ضوئيا رهيبا ، و ينتهي به ساقطا في عرض البحر ليصدر منه انفجار هائل أدت الي موجة بحرية ضخمة ضربت شواطئ المدينة بأكملها ، إنجرفا البحارة بفعل الموجة و أنتهي بهم الامر في حالة غيبوبة و هم ملقين علي صخور ، بعد أن إبتلع البحر جميع صيدهم و كل أموالهم و أطفئ نار حطبهم . 


وكانت المشكلة ان الشهاب قد سقط في جزيرة كبيرة و غامضة لم تطأ بها اي قدم بشرية من قبل ، او بعبارة اخري هذه الجزيرة لقد أصبحت محرمة علي البشر ، هذا الامر جعل البحارة في حالة ذهول بعد إستيقاظهم ، فهم قد اعتادوا علي ظواهر الغريبة التي تأتي من تلك الجزيرة ، ولكن هذه المرة الأمر مبالغ فيه قليلا ، تقدم احدهم ليمعن النظر نحو مكان سقوطها ، ولكن لا جدوى فقط نور رهيب يسطع منها بعد ان سقط شئ ما فيها ، و الآلهة وحدها التي تعلم ما هو هذا شئ !؟ .


وفي صباح اليوم التالي وبعد شروق الشمس ، استيقظ البحارة علي صوت صياح الجنود و تحركات الاحصنة و اصوات البوق الملكي ، لإستقبال احد كبار شخصيات الحاكمة من القصر الملكي ، اذا بهم يرون الشاطئ يعج بالقوارب الكبيرة و سفن الحربية الضخمة ، كان الشاطئ في طرفة عين مليئ بكل انواع الجنود ، وكأنهم علي وشك الإستعداد لحرب ما .

و جاء الي البحارة رسول من احد قادة الفيلق الرابع للجيش و هو يمتطي حصانا مدرعا بالكامل قائلا لهم و بكل وقاحة تامة :-

_ : " بإسم ملك مدينة اليكسندروبوليس الثاني أمركم بأخذ اشيائكم من هنا و غادروا من هنا فورا "

تحرك البحار و علامات الثمالة و ذهول علي وجه قائلا : " ولما يا سيدي !!؟ "

فأجابة الرسول بكل صرامة : " هذه أوامر ملكية تحركوا بسرعة قبل ان يتم سجنكم لتعديكم علي أرض الملك !! " .



فما كان من هؤلاء المستضعفين الا سماع الاوامر الملكية التي لطالما اخذت حقوقهم و سرقت اراضيهم ، وشردت اطفالهم ، و أحرقت ديارهم بسبب عدم دفعهم للضرائب الملكية ، فتحركوا مبتعدين عن أرض الشاطئ التي اصبحت هي ايضا للملك ، وكانت الذلة في وجوههم ، و للأسف ليس أمامهم شئ ليفعلوه و إلا كانت رقابهم ستطير من علي اجسامهم لعصيانهم اوامر من الحرس الملكي  .



قبل شروق الشمس و أثناء الفجر :-



في هذه الاثناء كان هناك شخص يجلس علي عرش عظيم ، و يأكل العنب الاحمر ، ويشرب العصير البارد و بجانبه الحسناوات و الخدم و الحشم ، ويجلس في تكبر و كبرياء ، أنه الملك إيبيريوس في قصره الملكي الفخم ، حيث الاعمدة العملاقة ترفع سقف
القصر العظيم ليرتسم علي جدرانه روعة النقش الفني لتماثيل الالهة اليونانية الفاخرة ، و كان الملك مستغرقا في تفكيره وهو يمسح لحيته الصفراء ، وتاج الذهبي المرصع بالاحجار الكريمة التي تعلوا رأسه ، وصولجانه بجانبه كعادته دوما ، ليأتيه خبر مستعجل من الوزير الملكي برفقته احد كبار الفلكيين الذين يراقبون السماء اليونان ليلا وهو يجري في رواق القصر و يصرخ " يا مولاي ، يا مولاي ، النبؤة ، انها النبؤة "  الي أن وصل الي امام عرش الملك وهو يلهث _ : " يا فخامة الملك ....يا فخامة الملك ....أنها نبؤة ....النبؤة لقد تحققت .....لقد تحققت يا فخامة الملك .. " .



فبدأ الملك يتمتم و هو ينظر الي كأس نبيذ الي أمامه و تداعبه احدي حسناوات بجانبه و هو يقول _ " ما الذي تهذي به ايها العجوز ، هلا تركتني وحدي الأن "

فصرخ الوزير بأعلي صوته _ " كـــــــــــــــيــــــــــــــف أتركك الأن و لقد سقط الحجر المقدس !! "



فبصق الملك النبيذ من فمه و دفع تلك حسناء التي بجانبه و صرخ وهو يقول _ " هـــــــل أنت متأكد يا نيكولاس ، هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل أنت متأكد ، لأنه لو لم تكن يفضل ان تبدأ بالهرب قبل ان افصل رأسك "



فقال الوزير نيكولاس و نظرة الثقة في عينيه و ضحكة هيستيرية علي وجهه _ " بل يمكنك نزع قلبي ايضا ، صدقني أنا متأكد تمــــــــــاما "

يعتبر السير نيكولاس او الوزير نيكولاس ، محارب يوناني قديم ، قاتل بجانب والد الملك ، وخدم الإمبراطورية طوال حياته ، وترعرع في أليكسندروبوليس ، وكان دوما يعتبر العقل المفكر للدولة ، فقد تعلم أصول السياسة في العاصمة اليونانية إثينا .
وعمل ايضا بجانب قيصر اليونان و ساعده في بعض الأمور السياسية المهمه التي تخدم الإمبراطورية اليونانية ، كذلك شارك في الحرب ضد الفرس الذي حاربوا اليونان بشراسة و كذلك جراء تلك الحرب تدمر معبد آلهة الحكمة إثينا .
يبلغ نيكولاس من العمر 44 عاما، و ليس لديه أي ابناء ، بإستثناء ولد واحد قام بالإشراف علي تربيته و تعليمه كل اساسيات البلاط الملكي ، وكان هذا الفتي يعرف بإسم كارلوس ماكسيميليا .

وبمجرد سماع الخبر إنبسط الملك بسماع تحقق النبؤة و بدأ يضحك و ملامح الفرح مرسومة علي وجهه و السعادة تملأ المكان ، لما لا يفرح و هو ينتظر هذا الخبر منذ 20 سنة ، انه يأمل دوما بأن تكون النبؤة صحيحه ، نبؤة سقوط احد الأحجار المقدسة .

تحرك الملك مسرعا ، ويدعوا الي تجهيز كل الاشياء بسرعة كبيره ، لأنه يريد أن يرسل معظم الفرق الي الجزيرة للحصول علي هذا الحجر المقدس .

يريد الملك إيبيريوس أن يكون أول الواصلين ، كما إنه كان يتوقع حصول بعض القتالات العنيفة من أجل الحجر ، لذلك تفاديا لهذا الصراع ما كان عليه سوى أن يكون أول الواصلين الي تلك الجزيرة ، وخصوصا إنه شائت الأقدار أن الحجر قد سقط بجانب مدينة أليكسندروبوليس .


فأرسل جيشه لمكان سقوط الحجر ، بقيادة الجنرال الأكبر المعروف بأسم الأمير ( كارلوس ماكسيميليا ) ، كان كارلوس يخدم الملك منذ صغره و ترعرع في البلاط الملكي ، يعتبر كارلوس من سلالة مميزة جدا في اليونان ، ولكن للأسف كارلوس شخص يتيم الأبوين ، عندما كان صغيرا شهدا بأم عينه علي إبادة قريته و حرق جميع اراضيها علي يد البربر الغزاة ، فتبناه احد قادة الجيش الملكي ، ذلك القائد الذي تبناه هو الوزير نيكولاس ، وترعرع في القصر ليخدم الملك إيبيريوس طوال حياته ! .

أثناء صغره كان محبوبا من جميع أفراد القصر ، تميز كارلوس بجماله الجذاب ، و شعره الابيض مثل الثلج و عيونه العسلية و رقة كلامه و اسلوبه الراقي ، كان فعلا يستحق لقب الامير المثالي .

تحرك الجنود بقيادة  كارلوس بعد ان اخذ الاوامر الملكية للتوجه نحو الجزيرة المحرمة ، لإستكشاف قصة هذا الشئ العجيب الذي سقط علي الجزيرة و معرفة لما كان الملك فرحا للغاية بخبر سقوطه ، فهم الأن متوجهين نحو بلدة تبعد ثلاثة ساعات عن قصر الملك ، من حسن الحظ أنه في اللحظة التي سقط فيها الحجر ، أرسل الملك وفدا سريعا الي عمدة تلك المدينة يأمره فيها بتجهيز كل سفن الموجودة من أجل مهمة كبيرة جدا .

فبعد مسيرة ثلاثة ساعات وصل الجيش الي الميناء و كان عمدة المدينة بإنتظار كارلوس لإستقباله و مرافقته في رحلته الطويلة ، كيف لا يكون العمدة مستعدا و قد جاءه وفد من الطراز الرفيع و يحمل رسالة مستعجلة كتبت بخط الملك  .
وبمجرد أن رأي العمدة كارلوس حتي تحرك بخطوات سريعه نحوه ،  و الابتسامة المتعجرفة تملأ وجهه قائلا :-

_: " صبااااح الخير سيدي ، أنه لشرف عظيم لنا بأن نكون تحت خدمتك ! "

كارلوس و بكل جفاف و عدم مبالاة : " اه ..تشرفت بلقائك ، و لكني أعتذر لقد اخترت الجنود مسبقا من أجل رحلة "

كان عمدة يلاحظ جفاف كارلوس و كمحاولة منه لترطيب الاجواء : " بلي بلي فخامتك ، ولكن كلما زاد العدد كلما كانت الرحلة اكثر أمانا اليس كذلك !!؟ "

كارلوس : " هل بدأت تملي عليا ماذا أفعل الأن ، دعني اخبرك شيئا ما ، لما لا تأخذ معدتك السمينة و تتحرك من امام وجهي و إلا ...... "

_ : " لالالالالا سيدي ارجوك لا تفهمني بطريقة خاطئة "

كارلوس : " لا يهم سأنتظر في قمرة السفينة حتي ينتهي جنود من اعداد تجهيزات للابحار "

............ : " ك...كك....كماااا تشاااء يا سيدي " .


ذهب كارلوس الي قمرة السفينة و معه تابعه المخلص " دانيال " و كان دانيال يضحك  ساخرا و يقول :- 
_ : " أنت رائع في تمثيل يليق بك حقا دور الرجل الشرير ، لم أعلم إن لديك هذه الموهبة  "
فأبتسم كارلوس و قال له بسخرية _ : " صدقني انا شخص طيب و لطيف و يحب مداعبة اصحاب المعدة السمينة "
فضحك دانيال بشدة و قال له _ " لو انك سحبت سيفك قليلا بعد لكان سيبلل نفسه من الخوف "
فضحك كارلوس و قال _ : " حقا لا احب هؤلاء الناس انهم جشعون جدا " .


و ما يثير الشفقة ان جشع الملك إيبيريوس كان اكبر و اعظم من اي ملك أخر ولكن بسبب احترام كارلوس للملك و حبه له لم يشعر بغطرسة الملك في يوم من الأيام  .

و بعد الانتهاء من تجهيزات الجيش للابحار كان كارلوس و طاقم المرافق له مستعدين للابحار نحو الجزيرة و بدأت أصوات قادة السفن تعلو و تزيد و كل منهم يعطي الاوامر ببدء الابحار فورا .

-  هياااااااا ياااا رجاااال ، ارفعوا المرسااااة .

-  هيااااااااا انزلوا الاشرعه و لتتحرك السفينة ، هياااااااا هياااااااا ايها الكسلة هياااا .

-  يا الهي ان جدتي تسحب الحبال بقوة اكبر منكم ، تحركووو تحركوووو .


كانوا فعلا اشبه بالقراصنة علي حد تعبير ، ولما لا يكونون قراصنة فهم بالفعل قراصنة ولكن تم قبض عليهم من قبل القوات البحرية و تم سجن بعضهم و البعض الاخر تم إعدامه ، ولكن قرر كارلوس أن يطلق سراحهم مقابل أن ينظموا له في هذه الرحلة الخطرة .
تحركت السفن تابعة للجيش نحو الجزيرة الغريبة لمعرفة الشئ الغامض الموجود هناك ، كانت كل العلامات تبشر بأن الأمور لحد الأن ستسير علي ما يرام ولن يحدث اي خلل في رحلة ، ولكن ...

كانت الجزيرة تبعد حوالي 5 ساعات فقط عن مدينة الملك ، فافي 20 دقيقة الاخيرة التي كادو ان يصلوا فيها الي الجزيرة ، بدأ نور الشمس يختفي شيئا فشيئا ، و غطت سحابة سوداء غريبة نور الشمس ، و أصبحت السماء مظلمة و كئيبة للغاية ، البعض أعتبرها نذير شؤم بينما بعضهم إعتبرها بداية يوم سئ .

و اصبح البحر اكثر سكون و الامواج اختفت ، و الرياح انعدمت نهائيا مما تسبب بجعل طاقم السفينة ينزل الاشرعة و تبدأ المجاديف بالعمل ، بدأ الأمر و كأنهم يتلقون ترحيبا من عالم أخر ، او بمعني اخر و كأنها مراسم الترحيب الي عالم الجحيم .

و ياليت الأمر أنتهي علي هذا الحال ، لقد كانت هناك اصوات غريبة غير مفهومة ، أشبه بصوت همسات أو غناء خفيف و هادئ ، كان البعض يظن إنها أصوات الملائكة وهي تغني ، ولكنه بدأ مرعبا للغاية بالنسبة لملائكة !! .

 تحرك كارلوس الي كابتن السفينة مسرعا و قلق يعتمر وجهه قائلا :-

_ : " ايها الكابتن ، هل نحن في طريق الصحيح للجزيرة !؟

_ : " اجل يا سيدي فنحن نسير في الاتجاه صحيح تفضل خذ المنظار ، يمكنك رؤيتها من هنا "

فأخذ كارلوس المنظار و كل ما رأه كان جزيرة مرعبة و سوداء و فوقها سماء معتمة و بعض البرق بلا صوت .


وأخرج الكابتن البوصلة ليعرف الاتجاه الذي هم فيه ، ليندهش و ينصدم بإيجاد سهم البوصلة يتحرك بشكل دوراني و جنوني و بلا اي انتظام ، واذا بشكل مفاجئ بدأ الضباب بالانتشار و بشكل كثيف تماما و اذا بالسفينة تصطدم بالشاطئ ليجدو انفسهم علي الارض و وجها لوجه مع الجزيرة الغريبة .



كان الانطباع الاول عن الجزيرة انها كبيرة و مخيفه و مظلمة بسبب المجهول الذي يحيطها ، و كثيفة الضباب بحيث تجعل الرؤية شبه صعبه ، و تلك الاصوات المزعجة و الهمسات الغريبة الغير معروفة المصدر ، وسماع صوت حيوانات و صراخ يعلوا الجزيرة ، كانوا و كأنهم علي موعد لرقصة مع الشيطان ، في الواقع الشيطان نفسه لن يجرئوا علي دخول الجزيرة .


نزل كارلوس من سفينة قائلا : " هياااا يا رجاال اتبعووني فورا

وأمر كل من طاقم الجيش الثاني و الثالث و الرابع  بالبحث في ارجاء الجزيرة و عن اي شئ غريب لعلهم يجدوا ما يبحثون عنه ، وان يعودوا للشاطئ بعد ساعتين من الان ، فأصدرت الاوامر و تحركوا جميعهم للبحث عن هذا الحجر العجيب الذي سقط .



اما كارلوس فقد كان يقود الطاقم الاول للجيش و كان يتحرك علي حسب حدسه ، فهم لا يملكون خريطة ولم يسبق لهم ان أتوا الي الجزيرة المحرمة من قبل ، بعد عشرة دقائق من انطلاقهم تعالت اصوات احد طواقم الجيش و كأن شيئا ما يمزق اوصالهم و يسحق عظامهم ، و فورا و بلا اي انتظار تحرك كارلوس قائلا " الصوت من هنااا هياااا بسرعه " ، فكان مع كل خطوة يخطونها تزداد معها اصوات الصراخ ، وبعد الجري لمسافة لابأس بها ، اذا بهم يجدون انفسهم في ساحة حرب مفتوحه مع كائنات شيطانية غريبة المظهر ، و ذات قرون طويلة ، و مخالب حاده ، و اجسامهم سوداء و نحيفه ، و كانوا و كأنهم اشبه بحراس عالم السفلي علي حد التعبير !! .

صعق كارلوس من هذا المنظر الغريب ، وكادت عيناه تخرج من مكانها بسبب بشاعة مظهر الوحوش ، لم يتقبل رؤية جنوده يتمزقون امامه ، فتحرك مسرعا و يتبعه الفيلق الاول و هو يصرخ بكل ما اوتي من قوة قائلا " ماااااااااااااااااا هذه الجزيرة بحق زيوس  !!!!!؟ " ، مع صرخته سحب سيفه لامع و الكبير و المنقوش علي ظهره ( كارلوس حاكم النور ) .


و مزق اول وحش امامه الي نصفين ، و التفت الي جنود فيلق الاول و هو يصرخ بغضب " اقتلوووهم ولا تدعوا احدا منهم " ، وكان هذا الامر كافيا بجعل هذه الارض تتحول الي ساحة قتال فتاكة و مميته ، تقلب فيها ساحة معركة الي بركة دماء  ، خمسة جنود من فيلق الاول تحركوا امام كارلوس ليقسموا خمسة وحوش امامهم الي نصفين ، و ستة جنود يقفون خلف كارلوس لحماية ظهره من خلف ، و لكن المشكلة ان اعداد الوحوش تزداد و تزداد و تزداد و قتالهم كان بلا أي جدوى ، ثلاثة فرسان يموتون مقابل ان يموت وحش واحد ، كان الامر واضحا انهم يلعبون لعبة خاسرة من بدايتها .



لإيضاح الامر بصورة اكثر  واقعية لهزيمة هذه الوحوش ، يحتاجون الي شئ يفوق قدرتهم كبشر ، و ادرك كارلوس هذه النقطة جيدا ، فسارع بأمر جنوده بأن يعودوا فورا للشاطئ و أن ينسحبوا انسحابا نهائيا ، فقاطعه احد الجنود قائلا " وماذا عن الفيلق الثالث و الرابع !!؟ "

فصرخ كارلوس " لاااا وقت لدينا اذا بقينا هنا سنموت بلا ادني شك " و بالصدفة وهم علي وشك الانسحاب اتتهم التعزيزات من الفيلق الثالث و الرابع و انظموا اليهم في معركة و تم توحيد صفوف بأكملها ، و بدأت المعركة الحقيقية بالنسبة لهؤلاء الرجال .

كان قائد فيلق الثالث يقاتل بكل قوته ، يضرب برمحه يمينا و يسار ، و يدافع عن نفسه بدرعه بكل عناء ، ويري احد اصدقائه يكاد يمزقه وحش من خلف ظهره ، فيقوم برمي الرمح في الهواء طائرا مخترقا رأس الوحش ، و في نفس اللحظة سحب سيفه من غمده و يقاتل من اجل بقائه .

اما كارلوس فأعطي اوامره بإنتشار الجنود ، و علي حين غره كان وحشين عملاقين خلفه ، فاقفز في الهواء ساحبا سيفه و حربته ، فيقطع رأس وحش الاول و يطعن قلب الوحش تاني ، فسقطا علي فور وهو يقول بغرور و غطرسة  " هااه هل تظنان انني غافل عنكما !!؟ " .

وبعد معركة طويلة و تم الانتهاء من الوحوش المرعبة ، جاء قائد فيلق الثالث الي كارلوس قائلا " سيدي كارلوس ، لقد وجدنا الشئ الغريب الذي سقط من السماء " .

فرد عليه كارلوس بإندهاش " و أين هو اخبرني !!؟ "

فأشار القائد بإصبعه قائلا " من هذا الاتجاه سيدي "

فتحركوا وهم حذرين و ينظرون خلفهم و امامهم متخذين كافة الاحتياطات الي ان وصلوا للمكان المطلوب ، كان المشهد الذي امام ناظريه عبارة عن خندق كبير ، او اشبه بالفجوة في الارض بسبب سقوط الحجر ، وكان هناك شئ يلمع في اسفله ، و حوله هالة غريبة جدا ،  فأمر كارلوس احدهم بإحضاره ، فنزل أحد الجنود الي الخندق و احضره و كان يتوهج بشدة و لكن من داخل حجر ، كان عبارة عن حجر كروي غريب و كأنه يحتوي شئ ما في مركزه و كان يتوهج للغاية ، فأخذه كارلوس و وضعه في احد الاكياس و اصدر الاوامر بالابتعاد عن المكان و العودة الي قصر الملك إيبيريوس فورا .

ولكن في ظلام هذه جزيرة كان هناك خمسة اشخاص غرباء ليسوا من اتباع كارلوس ولا من اتباع الملك ولا حتي من سكان الجزيرة ، كانوا يرتدون عباءات سوداء تغطي وجوههم ، فتمتم احدهم بتعويذة قائلا _ " ساركاس بليكسيس بولينتو " ، فافتتح بوابة سحرية غريبة و متوهجة و دخلوا فيها و اختفوا من الوجود تماما ، و كأنهم كانوا يتتابعون تحركات كارلوس و جنوده وكانوا يراقبون المعركة عن بعد !! .

من هم !!؟ ومن يكونون !!؟ و ماهو هذا الحجر الغريب !!؟ و لماذا يريده الملك !؟

كل هذه الاجابات ستجدونها في الفصل الثاني بعنوان ( الحقيقة المرة ) ، تااابعووونااا .

................................................................................................................................................................................


الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

الفصل الثاني : الحقيقة المرة

الفصل الثاني 

الحقيقة المرة

 

 قبل غروب الشمس بساعتين و في ميناء مدينة أليكسندروبوليس ، عاد كارلوس و الجنود الي أرض الوطن و في حوزتهم الحجر الغريب الذي سقط في الجزيرة المحرمة ، بعد قتال دامي كاد أن ينهي حياتهم لولا قوة و افكار دانيال السحرية ، و عزيمة كارلوس اللانهائية لكانوا قد لقوا حتفهم هناك .
و قد إستقبلوهم أهالي المدينة بكل فرح و سعادة ، حيث كان الميناء الذي يطل علي البحر يعج بالناس لإستقبال الأبطال الذين نفذوا أوامر الملك و وضعوا حياتهم رهنا لذلك ليثبتوا ولائهم للملكة و للملك إيبيريوس ، وكانوا سعداء للغاية و مشتاقين جدا لمعرفة ما وجدوه في الجزيرة ، لأن فرقة كارلوس كانت الوحيدة التي عادت من تلك الجزيرة !! .

 كيف لا و كارلوس هو من كان يقودهم ، فالمعروف أنه من يذهب الي هناك لا يعود أبدا ، بعض شائعات تقول بأنها ملعونة من الآلهة ، وبعض يقول بأن الملاك لوسيفير قد سقط هناك ، و آخرون يقولون أن في جزيرة يتواجد بها بوابة سحرية غامضة تدخلك الي العالم السفلي ، و لكن للأن لاشئ يثبت صحتها ، فهي مجرد خرافات بالنسبة لكارلوس ، او لم تصبح حقيقة بعد ! .

ولكن رغم إنها أساطير إلا أنها تقترب للواقع كثيرا ، فالمعروف لدي البشر من يذهب لا يعود ، ومن يجرؤ علي فعل تلك المغامرة فقط المجنون وحده من يفعل ذلك ! ، قيل إن هناك مؤرخ كبير يعرف بعض الأساطير عنها ، وقيل إنه يعرف السر و الغموض الذي يلف و يحوم حول تلك الجزيرة ، ولكن لا أحد يعرف ذلك مؤرخ أو أين يتواجد حتي ، يلقبونه بالسيد بينداليس العظيم ! .

تقدم عجوز غريب المظهر ، كثيف اللحية ، يبدو عليه الجنون ، لديه لحية بيضاء ، كان اهل القرية يخشونه ، يقولون أنه جالب للنحس و سوء طالع ، بسبب شعوذته الدائمة و تعاونه مع شياطين ، من يدري هل شائعات صحيحة ام لا ، معروف عنه أنه محدث و كاتب ، ويملك من القصص الأسطورية ما يكفي لفتح مكتبة أكبر من مكتبة الإسكندرية التي كانت في زمن الفراعنة ، في نهاية تبقي هذه الأساطير و الخرافات  مجرد " أقاويل تقال " .

تقدم بخطوات متدافعه ليقف امام كارلوس ليقول له :-
_ : " أبشر ايها الأمير كارلوس ، لقد ايقظت الجحيم علي هذا العالم ، ما كان عليك ذهاب لتلك الجزيرة ابدا ، سوف تلعنك الألهة و سوف ترى الويلات يا كارلوس " .

فنظر اليه كارلوس بنظرة باردة و و كأنه غير مبالي بالكلام الذي قاله له ، استمر كارلوس بالنظر اليه نظره متفحصة ، و ثم قال :-
_ : " اذا كانت الألهة ستلعنني ، ربما يجدر بك هروب من هنا قبل ان تصيبك اللعنة انت ايضا ، في المرة القادمة قبل ان تتحدث عن الخرافات اجعل معك دليلا علي كلامك ! " .

و اكمل كارلوس مسيرته و تحرك هو و الجنود علي متن الأحصنة تاركا العجوز خلفه و هو يصرخ و يحذر و يتوعد بالهلاك للعالم :-
_ : " تذكر كلامي يا كارلوس ، سوف تندم لذهابك للأرض المحرمة ، لقد اعلنت الحرب علي الالهه ، تذكر كلامي يا كارلوس ! " .

انتهي الامر علي هذا الحال ، و انطلق حشد من جنود وهم علي متن الأحصنة الي قصر الملك إيبيريوس لتسليم الحجر المقدس ، فدخلوا الجنود من البوابة الامامية للمدينة ، و كانت البوابة عبارة عن باب ضخم رهيب ، نحت عليه بالذهب وجه الإله زيوس وهو إله الرعد في الميثولوجيا اليونانية ، و كان الملك بنفسه ينتظر في ساحة المدينة و الحرس يطوقون المكان بالكامل و ناس تنظر أيضا و تتلهف لرؤية ما سيحدث ، بينما كارلوس للأن لا يفهم لماذا الملك يريد هذا الحجر بشدة !؟.
 كان يعلم من بداية المهمة أن هناك شيئا ما غريب و أنه من المريب أن يتلهف الملك علي حجر كهذا و كأنه يريد أن يكون أول الملوك الذين يصلون الي المكان ! . 

توقف الجنود بعد رؤيتهم للملك في ساحة و تقدم كارلوس علي متن الحصان و نزل منه و معه الحجر الذي في صندوق و وقف امام جلالة و فخامة الملك ، و ركع علي ركبتيه و سلم الحجر للملك ، كان علامات دهشة واضحة تماما علي وجه ملك إيبيريوس ، لما لا وهو علي بعد خطوة واحد ليصبح أحد الالهة السبعة المقدسة ! .

أخذ الملك الحجر بلهفة كبيرة و بحرص شديد وهو ينظر نظرة المشتاق للغائب ، فامسك الحجر و بدأ يصرخ و يقول:-
_ : " والأن فلتباركني الألهة ، اليوم أيها الناس ستشهدون ولادة إله جديد في الأرض ، هيا أيها الحجر أعطني القوة العظيمة و حياة الخلود الأبدية " .

أنتظر الملك لحظات و الناس و الحراس ينظرون ، ولكن لاشئ ، لم يحدث شئ إطلاقا ، اشتعل ملك غضبا و نظر الي كارلوس و بدأ يسأله :-
_ : " هل أنت متأكد يا كارلوس أنه الحجر الذي سقط في ليلة أمس !؟ " 

_ : " أجل سيدي أنا متأكد ، أنه الحجر نفسه الذي ارسلتنا إليه " 

_ : " ولكن ...ولكن ...ولكن لم يحدث شئ ، يفترض بي أن اصبح إلها الأن " 

فتكلم دانيال وهو مساعد كارلوس و قال :-
_ : " هل أنت متأكد أنه لا يوجد أي مراسم او تضحيات او أي شئ ، يا جلالة الملك !؟ " 

_ : " أجل أنا متأكد ، ولكي نقطع الشك باليقين أحضروا لي كهنة معبد آلهة أوليمبس " 

فتقدم أحد الكهنة و لقد كان كبير كهنة المعبد و ستأذن من ملك ان ينظر الي حجر المقدس ، ولكن هناك شيئا ما غريب ، الحجر يفترض به ان يتوهج ! ، فنظر إلي الملك و قال :-
_ : " أخشي يا فخامة سموك أنه ليس الحجر الصحيح الذي في النبؤة ، لأن النبؤة تقول أن لكل حجر نقش و حرف مميز  " 

_ : " ما الذي تقصده بحق زيوس !؟ ، كااارلوس فسر لي ذلك ! " 

قبل ان يتكلم كارلوس قاطعه دانيال و قال :-
_ : " سموك ، نحن متأكدون تماما أنه حجر الصحيح ، فلقد  ذهبنا الي نفس المكان الذي فخامتك أرسلتنا إليه ، إذا لم يكن الحجر الذي تقصده ، ربما هو مجرد مذنب عشوائي سقط هناك صدفة !! " 

تقدم ملك إيبيريوس بعظمته و فخامته ، نحو دانيال و قام بصفعه صفعة حتي وقع أرضا و نزف دمه ، و أكمل ملك إيبيريوس صارخا :-
_ : " لقد أمرت كارلوس بالتحدث و لم أمرك أنت ، إنها لمن الوقاحة شديدة أن تقاطع و تكذب الملك و تظهره و كأنه شخص مجنون و مهووس بالخرافات ، تذكر كلامي أيها الوقح ، لا وجود للصدفة في هذا الكون أبداً !!  " 

أعتذر دانيال لوقاحته و ثم قال كارلوس :-
_ : " سموك ، لما لا ترتاح اليوم و تجرب ذلك في يوم أخر ، لما لا تعيدون نظر في نبؤة قد تجدون فيها الحل ، ربما الحجر لن يعمل الأن ، ولكن أمهله بعض وقت ! "

_ : " اللعنة ، تباا ، هل هذه مزحة منك يا زيوس لتقوم بإختباري ، اللعنة عليك و علي أحجارك المقدسة " . 

و قام سموه برمي الحجر علي الأرض بعد ان قام بالبصق عليه من شدة غضبه ، و أخذ الملك إيبيريوس حاشيته و غادر ساحة المدينة و عاد الي قصره ، بينما بقي كارلوس و دانيال في ساحة ، وتفرقت الحشود و عاد كل منهم الي ما كان يفعله عادة .
بدأ بعض الناس بالتحدث و يقولون :-
_ : " أنه الأن يتربع علي عرش مدينة أليكسندروبوليس ، وقريبا سيحكم اليونان ، والأن يريد أن يصبح إله !!!!!؟ " .

وآخرون يقولون : " أنه الأن ملك و يعذبنا و يسرق خيراتنا و ينهب أراضينا و يأسر أطفالنا في الجيش ، الألهة وحدها تعلم ماذا سيفعل بنا أن أصبح هذا الجشع إلها " .

لا أحد يستطيع إنكار أن كارلوس قد سمع بعضا من الأقاويل المبعثرة ، ولكنه تظاهر بعدم الإكتراث ، عموما وعلي كل حال ، فكان لدي نفس كارلوس سؤال يرغب في الإجابة عنه ، شئ واحد فقط يستطيع أن يثبت كل شكوك هذا الأمير الفطن ، شئ واحد يكشف ذلك القناع المزيف و القذر الذي يرتديه اكبر حثالة تربعت علي عرش مدينة اليكسندروبوليس ، هذا شئ يعرف بالإخـــــــــــتـــــــبـــــــار .

ألتفت كارلوس الي دانيال و قام بالإعتذار بالنيابة عن الملك و عن نفسه ﻷنه هو مسؤول عن وضعه في هذا الموقف ، فقال دانيال وهو يتسأل :-
_ : " لماذا قمت بتزييف الحجر يا كارلوس !؟ " 

_ : " لقد أردت ان أتأكد من شئ في غاية الأهمية ، وقد تأكدت منه ، لقد كان سؤالا يجول في ذهني منذ فترة طويلة ، وأخيرا الألهة اظهرت لي هذه الإجابة " 

_ : " ماذا تعني بقولك هذا !؟ ، علي الأقل أشرح لي ! "

_ : " حسنا ، لقد لاحظت مدى رغبة الملك في إمتلاك حجر ، لا أنكر أنني لا اصدق خرافات كثيرا ، إلا إنني أضعها في عين الإعتبار دائما ، لقد أردت إختبار الملك و تبين لي أنه جشع و مغرور ، و شخص مثله يمتلك حجرا بهذه قوة أمر بالغ الخطورة ، ولكن دعنا نتخيل لبرهة من زمن ، ماذا لو أصبح الإنسان إله ، في رأيك ما الذي سيحصل !؟  " 

_ : " في الواقع لا أستطيع إنكار أنك ذكي و قمت بإختباره بنجاح ، ولكن يجب أن تعلم إنه عاجلا أم أجلا سيلجأون الي نبؤة بينداليس ، فهو الذي كتب كل تفاصيل عن تلك الأحجار المقدسة التي لا تسقط في الأرض إلا بعد 3000 سنة، إما مسألة أن يصبح الإنسان إله ، في واقع لا يمكنني أن أتخيل حجم و هول الذي سيحدث  " 

_ : " معك حق ! ، بالتأكيد سيكون شيئا رهيبا ، فقط لو قدر لي أن أصبح أحد الألهة المقدسة لكنت سأنهي وجود هذا الملك و كل الذين أمثاله " 

فضحك دانيال بسخرية و نظرا الي كارلوس و قال : " يا إلهي ، صدقني حتي الألهه لا تستطيع زحزحة مؤخرة ذلك ملك عن العرش ! "

فقال كارلوس بكل حماس و إثارة ، ولهفة تتطاير من عينيه : " إذا سأنسفه هو العرش نهائيا !!! " 

حل صمت لثواني قليله ، لما لا يندهش دانيال من هذه الإرادة القوية ، ورغبة كارلوس في تغيير هذا العالم ، من يدري قد تأتي تلك القوة لتجعل أحد الألهة تولد من جديد من قعر الظلام ، ربما يأتي ذلك اليوم ، ولكنه ليس بي بعيد ! .

فقال دانيال : " أخبرني أين وضعت الحجر الأصلي الأن !؟ "

فقال كارلوس وهو مرتبك قليلا : " لقد وضعته في كهف ما في الجزيرة بعد أن انفصلت عن جيش بحجة انني اردت قضاء حاجتي ! " 

فصرخ دانيال من صدمة و بدأ يقول : " هل تقصد أنه الأن علي متن الجزيرة !!!!؟ ، أيهااااا اللعين هل تعلم مدي تضحيات التي ضحينا بها من أجل حصول عليه !؟ " 

_ : " أعلم يا دانيال ، أعلم ذلك جيدا ، ولكن نضحي بالقليل في يومنا هذا ، أفضل من أن يموت الألاف في يوم غد ، كما لا تقلق عليه فلن يجرؤ احد علي ذهاب لتلك الجزيرة " 

فأخفض دانيال رأسه ، وهو يشعر بقوة كلمات كارلوس المحقة ، فكان يقول في داخله " بلي أن كارلوس محق ، الأفضل ان نضحي بالقليل علي أن يموت الكثير بسبب هذا الملك  " .

ركب كل من كارلوس و دانيال أحصنتهما و توجها نحو قصر ملك إيبيريوس ، ولكن قبل ذهاب الي قصر الملك ، قرروا أن يذهبوا لحانة ما ، لشرب بعض النبيذ المنعش بعد إرهاق مجهد ، فقد كاد أن يحل الظلام علي المدينة ولا شئ أجمل من نبيذ منعش و طعام لذيذ بعد يوم طويل .

في هذه الأثناء في قصر ملك إيبيريوس :
عاد الملك إيبيريوس وهو خائبا  ، خاسئا ، ويشعر بالحسرة و خصوصا إنه شعر بنوع من الإحراج الشديد أمام شعبه ، فبدأ يفكر و يقول لما لم يكن الحجر المقصود !؟ ، هل يمكن إن كارلوس قاام بخداعه !؟ ، وبدأ الملك يسير في رواق القصر يمين و يسار ، حائرا و مستغربا عن هذه الحادثة الغريبة ! .

فوقف أمام تمثال الإله زيوس ، وبدأ يتأمل ويفكر و يقول " هل كنت تختبرني يا زيوس ؟ ، الي متي سأبقي مجرد ملك وضيع  ؟ ، متي سيعود عصر المجد و حرب الألهة ، من أجل الخلود و المجد و البقاء و الأبدية !!؟ .

بقي الملك حائرا لفترة من الزمن ، حتي إستقطع كبير كهنة معبد أوليمبس افكار الملك التي تأتي من هنا و هناك ، فقام كبير الكهنة بإحضار كتاب قديم ، كان قد أعيدت كتابته قبل فترة من الزمن ، لأنه الكتاب الأصلي قديم جدا و عمره يعود الي ما قبل 2500 سنة ، كان الكتاب في حالة مزرية جدا ، فقرروا كهنة المعبد أن يقوموا بإعادة كتابته حرفيا ، حتي يصبح لديهم نسخة أصلية جديدة ، وقيل إنهم قاموا بكتابة نسختين ، أحداها تم سرقتها منذ فترة أثناء حرب الإغريق و الفرس ، حيث كان أحد الكتابين في معبد إثينا ، والأخر في أليكسندروبوليس ، ولكن بعد حرب الفرس تنم تدمير المعبد و سرقت النسخة الأصلية ، والثانية يعتقد بأنه قد تمت تحريفها أو تغيير صيغتها ، أما الكتاب الأصلي فقد إختفي نهائيا ، بعد إعادة نسخه ولا أحد يعلم أين هو الأن ... 

جاء كبير الكهنة و معه نسخة من كتاب و يقول للملك إن الكتاب يقول إن الأحجار الخمسة التي تحمل خصائص و قوة الألهة لابد أن ينقش عليها الحروف المقدسة ، وذلك النقش هو رمز لكل إله كبير " .

فقال الملك وبلا مبالاة : " أظن أنك سبق و أخبرتني بهذا ، فأنت لم تأتي بجديد "

_ : " مهلا مهلا لحظة لم أنتهي ، هناك شئ أخر أيضا ، إنه التاريخ ، ويقصد بها اليوم و الشهر و السنة و الوقت " 

_ : " أهاا ، وبعد !؟ " 

_ : " لقد سقط ذلك الحجر كما كان المتوقع في النبؤة ، في اليوم الخامس من الشهر الرابع ، والعلامة الأكيدة هي النجم الأكبر الذي يسطع في السماء من ذلك العام وهذه هي العلامات المميزة لبداية حقبة جديدة " 

_ : " ماذا تقول إذا !؟ ، لقد أرسلت كارلوس و عاد إلي فارغ اليدين ، وقال إنه لا يوجد لاحجر ولا أي شئ ! " 

_ : " حسنا يا سيدي ! ، ولكن ماذا إذا كان كارلوس يراوغ و يخادع !؟ " 

هناك أثار الكاهن شكوك الملك الخامدة في قلبه ، هل من ممكن أن يفعلها كارلوس !؟ ، لما لا يفعلها ، قد يكون الطمع و الرغبة في الحصول علي القوة كفيلة بجعله خائنا للمملكة ، فأرسل الملك بأوامر سرية منه بأن يقوم بمراقبة كارلوس و كذلك كهنة المعبد قرروا بأن يضعوا أعينهم علي تحركات كارلوس و دانيال ، هما الوحيدان الذين يمكن أن يكذبا بشأن حقيقة الأمر ، ومن جهة أخري كان دانيال يشعر بأن هذه الكذبة لن تدوم طويلا ، إلا إنه تغاضي عن ذلك و قررا إتباع أوامر سيده كارلوس ماكسيميليا . 

في حانة ما في المدينة : 
جلس كارلوس و دانيال و طلب كل منهما نبيذا و بعض الطعام لتناوله ، جلسا يتناولان الطعام بشراهة و إنسجام ، إلا أن قام شخص غريب المظهر ، غريب الثياب ، كان يرتدي عباءة سوداء ، شكله غامض جدا ، ملامح وجهه غير ظاهره ، ولكن كلماته كانت واضحة و صريحة ، قال له بالحرف الواحد " أيها المختار ، سيأتي نور الإكتمال ، حيث النجم الساطع يظهر في السماء ، سيولد الإله في جزيرة الملاك ، إبحث عن الحقيقة ، والارادة الكبيرة ، و السر المدفون ، إبحث عن ماضيك ، و عن حقيقتك ، وكمساعدة مني هنالك مكتبة سرية تحت قصر الملك ، تستطيع فتحها عندما تبصر عيناك النور ، وتكشف حقيقة سجلاتك و شعبك ، أيها الأمير كارلوس " . 

بدأ كارلوس ينظر فقط ، ولم يفهم شئ مما قال ، فبدأ يتعجب و يتسأل لماذا أصبح الكل غريب الأطوار فجأة وما علاقته بي أنا !؟ ، فنظرا الي دانيال و قال له " هل فهمت شيئا !؟ " فأشار دانيال بحركة تعبيريه مفادها أن الرجل ليس سوي مجنون ، فخرج الرجل من الحانة و تركهم يكملون طعامهم ، وأثناء خروجه قال " أحذر فعين الأسد تنام ، ولكن عين الذئاب لا تنام " و خرج من الحانة فورا .

بدأ فضول كارلوس يدغدغ بشدة فخرج ليسأله ماذا كان يقصد ، فلم يجد شئ ، لقد أختفي الرجل وكأن الرياح قد نثرته ، والغريب أيضا إنه لم يكن أي أثر ، بإستثناء ورقة غريبة تتطاير و سقطت أمام كارلوس ، فأخذها و كان مكتوبا عليها باللون الأحمر ، " أتجه نحو النور ، عندما تناديك الملائكة " ، كلام غريب عجيب لايفهم منه إلا القليل ، فقام بتخبئة الورقة و خرج اليه دانيال و قال له :- 

_ : " هل وجدته !؟ " 

فقال له كارلوس وهو حائر : " لا لم أجده ، ولكني أشعر بأن شيئا ما سيحدث ! ، دعنا نعود الي القصر فقد تأخر الوقت و أصبح المكان مظلما " . 

فعادا الي قصر الملك إيبيريوس وهم علي متن الأحصنة ، فوصل الي بوابة و صرخ كارلوس ، " أنا الأمير كارلوس ماكسيميليا ، إفتح البوابة حالا !! " ، فتحت البوابة و دخلا كلا من كارلوس و دانيال ، ولكنه شعرا بشئ ما غريب ، كل عيون الحراس علي كارلوس ، تكاد نظرات تخترق أجسادهم ، لقد كان إحساس دانيال محقا ، حبل الكذب قصير دوما ! .

توقف كارلوس عندما شعر بأن هناك شئ ما مريب ، فخرج عليه وزير الملك و قال لكارلوس :- 
_ : " نخشي أن الحجر ليس هو الحجر الصحيح ! " 

فتكلم كارلوس : _ أخشي إنه لا يمكنني تقديم شئ حيال ذلك ، لقد فعلت ما كان مطلوبا مني " 

_ : " هل أنت متأكد !؟ ، لأني لا أشعر بذلك في الحقيقة ! " 

_ : " إذا لا يوجد لدي حيلة ما أستطيع إقناعك بها ، إلا إذا كنت تجرؤ علي أن تكذب الأمير ! " 

فشعر الوزير بخطورة ما يقوم به ، فالتصادم مع الأمير بشكل مباشر و إتهامه بالكذب و الخيانة بدون دليل أمر بالغ الخطورة ، قد ينتهي به الأمر مقطوع الرأس ، فقام الوزير بترتيب المحادثة و تغيير طريقة الكلام من الحاد الي لطيف فقال :- 
_ : " عزيزي كارلوس ، أنت تعلم إنني لن أشك بك أبدا ، ولكني فقط أخاف أن تقوم بفعل حماقة ما ، فأنت مثل إبني و أنا الذي أشرفت علي تربيتك وأنت صغير " 

_ : " أنا أعلم من رباني جيدا ، لذلك لا تقلق ، فأنت تعلم أخلاقي تمام العلم ، فأنت الذي رباني بعد كل ذلك صحيح !؟ "

كانت هذه العبارة أشبه بتحدي ما ، أو كأن كارلوس كان يقصد من ورائها شيئا ما خفيا ، كل تلك المشاعر ، الخوف ، الرعب ، التوتر ، الهاجس ، الغريزة ، الحدس ، كلها كانت تلف المكان و كأنها أشباح و أرواح هائمة ، فقال الوزير :- 

_ : " بلي بلي ، كلامك صحيح يا كارلوس ، علي كل أتمني لك ليلة سعيدة ، ولا تؤاخذني علي ما قلته ، فأنا قلق عليك كما تعلم " 

_ : " لا تقلق علي ، فأنا أستطيع تدبر أموري جيدا ، عمت مسائاً سيدي الوزير .. " .