الفصل الثاني
الحقيقة المرة
قبل غروب الشمس بساعتين و في ميناء مدينة أليكسندروبوليس ، عاد كارلوس و الجنود الي أرض الوطن و في حوزتهم الحجر الغريب الذي سقط في الجزيرة المحرمة ، بعد قتال دامي كاد أن ينهي حياتهم لولا قوة و افكار دانيال السحرية ، و عزيمة كارلوس اللانهائية لكانوا قد لقوا حتفهم هناك .
و
قد إستقبلوهم أهالي المدينة بكل فرح و سعادة ، حيث كان الميناء الذي يطل
علي البحر يعج بالناس لإستقبال الأبطال الذين نفذوا أوامر الملك و وضعوا
حياتهم رهنا لذلك ليثبتوا ولائهم للملكة و للملك إيبيريوس ، وكانوا سعداء
للغاية و مشتاقين جدا لمعرفة ما وجدوه في الجزيرة ، لأن فرقة كارلوس كانت
الوحيدة التي عادت من تلك الجزيرة !! .
كيف لا و كارلوس هو من كان يقودهم ، فالمعروف أنه من يذهب الي هناك لا
يعود أبدا ، بعض شائعات تقول بأنها ملعونة من الآلهة ، وبعض يقول بأن
الملاك لوسيفير قد سقط هناك ، و آخرون يقولون أن في جزيرة يتواجد بها
بوابة سحرية غامضة تدخلك الي العالم السفلي ، و لكن للأن لاشئ يثبت صحتها ،
فهي مجرد خرافات بالنسبة لكارلوس ، او لم تصبح حقيقة بعد ! .
ولكن رغم إنها أساطير إلا
أنها تقترب للواقع كثيرا ، فالمعروف لدي البشر من يذهب لا يعود ، ومن يجرؤ
علي فعل تلك المغامرة فقط المجنون وحده من يفعل ذلك ! ، قيل إن هناك مؤرخ
كبير يعرف بعض الأساطير عنها ، وقيل إنه يعرف السر و الغموض الذي يلف و
يحوم حول تلك الجزيرة ، ولكن لا أحد يعرف ذلك مؤرخ أو أين يتواجد حتي ،
يلقبونه بالسيد بينداليس العظيم ! .
تقدم عجوز غريب المظهر ،
كثيف اللحية ، يبدو عليه الجنون ، لديه لحية بيضاء ، كان اهل القرية يخشونه
، يقولون أنه جالب للنحس و سوء طالع ، بسبب شعوذته الدائمة و تعاونه مع
شياطين ، من يدري هل شائعات صحيحة ام لا ، معروف عنه أنه محدث و كاتب ،
ويملك من القصص الأسطورية ما يكفي لفتح مكتبة أكبر من مكتبة الإسكندرية التي
كانت في زمن الفراعنة ، في نهاية تبقي هذه الأساطير و الخرافات مجرد "
أقاويل تقال " .
تقدم بخطوات متدافعه ليقف امام كارلوس ليقول له :-
_ : " أبشر ايها الأمير
كارلوس ، لقد ايقظت الجحيم علي هذا العالم ، ما كان عليك ذهاب لتلك الجزيرة ابدا ،
سوف تلعنك الألهة و سوف ترى الويلات يا كارلوس " .
فنظر اليه كارلوس بنظرة باردة و و كأنه غير مبالي بالكلام الذي قاله له ، استمر كارلوس بالنظر اليه نظره متفحصة ، و ثم قال :-
_ : " اذا كانت الألهة
ستلعنني ، ربما يجدر بك هروب من هنا قبل ان تصيبك اللعنة انت ايضا ، في
المرة القادمة قبل ان تتحدث عن الخرافات اجعل معك دليلا علي كلامك ! " .
و اكمل كارلوس مسيرته و تحرك هو و الجنود علي متن الأحصنة تاركا العجوز خلفه و هو يصرخ و يحذر و يتوعد بالهلاك للعالم :-
_ : " تذكر كلامي يا كارلوس ، سوف تندم لذهابك للأرض المحرمة ، لقد اعلنت الحرب علي الالهه ، تذكر كلامي يا كارلوس ! " .
انتهي الامر علي هذا
الحال ، و انطلق حشد من جنود وهم علي متن الأحصنة الي قصر الملك إيبيريوس
لتسليم الحجر المقدس ، فدخلوا الجنود من البوابة الامامية للمدينة ، و كانت
البوابة عبارة عن باب ضخم رهيب ، نحت عليه بالذهب وجه الإله زيوس وهو إله
الرعد في الميثولوجيا اليونانية ، و كان الملك بنفسه ينتظر في ساحة المدينة
و الحرس يطوقون المكان بالكامل و ناس تنظر أيضا و تتلهف لرؤية ما سيحدث ،
بينما كارلوس للأن لا يفهم لماذا الملك يريد هذا الحجر بشدة !؟.
كان يعلم
من بداية المهمة أن هناك شيئا ما غريب و أنه من المريب أن يتلهف الملك علي
حجر كهذا و كأنه يريد أن يكون أول الملوك الذين يصلون الي المكان ! .
توقف الجنود بعد رؤيتهم
للملك في ساحة و تقدم كارلوس علي متن الحصان و نزل منه و معه الحجر الذي في
صندوق و وقف امام جلالة و فخامة الملك ، و ركع علي ركبتيه و سلم الحجر
للملك ، كان علامات دهشة واضحة تماما علي وجه ملك إيبيريوس ، لما لا وهو
علي بعد خطوة واحد ليصبح أحد الالهة السبعة المقدسة ! .
أخذ الملك الحجر بلهفة كبيرة و بحرص شديد وهو ينظر نظرة المشتاق للغائب ، فامسك الحجر و بدأ يصرخ و يقول:-
_ : " والأن فلتباركني
الألهة ، اليوم أيها الناس ستشهدون ولادة إله جديد في الأرض ، هيا أيها
الحجر أعطني القوة العظيمة و حياة الخلود الأبدية " .
أنتظر الملك لحظات و الناس و الحراس ينظرون ، ولكن لاشئ ، لم يحدث شئ إطلاقا ، اشتعل ملك غضبا و نظر الي كارلوس و بدأ يسأله :-
_ : " هل أنت متأكد يا كارلوس أنه الحجر الذي سقط في ليلة أمس !؟ "
_ : " أجل سيدي أنا متأكد ، أنه الحجر نفسه الذي ارسلتنا إليه "
_ : " ولكن ...ولكن ...ولكن لم يحدث شئ ، يفترض بي أن اصبح إلها الأن "
فتكلم دانيال وهو مساعد كارلوس و قال :-
_ : " هل أنت متأكد أنه لا يوجد أي مراسم او تضحيات او أي شئ ، يا جلالة الملك !؟ "
_ : " أجل أنا متأكد ، ولكي نقطع الشك باليقين أحضروا لي كهنة معبد آلهة أوليمبس "
فتقدم أحد الكهنة و لقد
كان كبير كهنة المعبد و ستأذن من ملك ان ينظر الي حجر المقدس ، ولكن هناك
شيئا ما غريب ، الحجر يفترض به ان يتوهج ! ، فنظر إلي الملك و قال :-
_ : " أخشي يا فخامة سموك أنه ليس الحجر الصحيح الذي في النبؤة ، لأن النبؤة تقول أن لكل حجر نقش و حرف مميز "
_ : " ما الذي تقصده بحق زيوس !؟ ، كااارلوس فسر لي ذلك ! "
قبل ان يتكلم كارلوس قاطعه دانيال و قال :-
_ : " سموك ، نحن متأكدون
تماما أنه حجر الصحيح ، فلقد ذهبنا الي نفس المكان الذي فخامتك أرسلتنا
إليه ، إذا لم يكن الحجر الذي تقصده ، ربما هو مجرد مذنب عشوائي سقط هناك
صدفة !! "
تقدم ملك إيبيريوس بعظمته و فخامته ، نحو دانيال و قام بصفعه صفعة حتي وقع أرضا و نزف دمه ، و أكمل ملك إيبيريوس صارخا :-
_ : " لقد أمرت كارلوس
بالتحدث و لم أمرك أنت ، إنها لمن الوقاحة شديدة أن تقاطع و تكذب الملك و
تظهره و كأنه شخص مجنون و مهووس بالخرافات ، تذكر كلامي أيها الوقح ،
لا وجود للصدفة في هذا الكون أبداً !! "
أعتذر دانيال لوقاحته و ثم قال كارلوس :-
_ : " سموك ، لما لا
ترتاح اليوم و تجرب ذلك في يوم أخر ، لما لا تعيدون نظر في نبؤة قد تجدون
فيها الحل ، ربما الحجر لن يعمل الأن ، ولكن أمهله بعض وقت ! "
_ : " اللعنة ، تباا ، هل هذه مزحة منك يا زيوس لتقوم بإختباري ، اللعنة عليك و علي أحجارك المقدسة " .
و قام سموه برمي الحجر
علي الأرض بعد ان قام بالبصق عليه من شدة غضبه ، و أخذ الملك إيبيريوس
حاشيته و غادر ساحة المدينة و عاد الي قصره ، بينما بقي كارلوس و دانيال في
ساحة ، وتفرقت الحشود و عاد كل منهم الي ما كان يفعله عادة .
بدأ بعض الناس بالتحدث و يقولون :-
_ : " أنه الأن يتربع علي عرش مدينة أليكسندروبوليس ، وقريبا سيحكم اليونان ، والأن يريد أن يصبح إله !!!!!؟ " .
وآخرون يقولون : " أنه
الأن ملك و يعذبنا و يسرق خيراتنا و ينهب أراضينا و يأسر أطفالنا في الجيش ،
الألهة وحدها تعلم ماذا سيفعل بنا أن أصبح هذا الجشع إلها " .
لا أحد يستطيع إنكار أن
كارلوس قد سمع بعضا من الأقاويل المبعثرة ، ولكنه تظاهر بعدم الإكتراث ،
عموما وعلي كل حال ، فكان لدي نفس كارلوس سؤال يرغب في الإجابة عنه ، شئ
واحد فقط يستطيع أن يثبت كل شكوك هذا الأمير الفطن ، شئ واحد يكشف ذلك
القناع المزيف و القذر الذي يرتديه اكبر حثالة تربعت علي عرش مدينة
اليكسندروبوليس ، هذا شئ يعرف بالإخـــــــــــتـــــــبـــــــار .
ألتفت كارلوس الي دانيال و
قام بالإعتذار بالنيابة عن الملك و عن نفسه ﻷنه هو مسؤول عن وضعه في هذا
الموقف ، فقال دانيال وهو يتسأل :-
_ : " لماذا قمت بتزييف الحجر يا كارلوس !؟ "
_ : " لقد أردت ان أتأكد
من شئ في غاية الأهمية ، وقد تأكدت منه ، لقد كان سؤالا يجول في ذهني منذ فترة
طويلة ، وأخيرا الألهة اظهرت لي هذه الإجابة "
_ : " ماذا تعني بقولك هذا !؟ ، علي الأقل أشرح لي ! "
_ : " حسنا ، لقد لاحظت
مدى رغبة الملك في إمتلاك حجر ، لا أنكر أنني لا اصدق خرافات كثيرا ، إلا
إنني أضعها في عين الإعتبار دائما ، لقد أردت إختبار الملك و تبين لي أنه
جشع و مغرور ، و شخص مثله يمتلك حجرا بهذه قوة أمر بالغ الخطورة ، ولكن
دعنا نتخيل لبرهة من زمن ، ماذا لو أصبح الإنسان إله ، في رأيك ما الذي
سيحصل !؟ "
_ : " في الواقع لا
أستطيع إنكار أنك ذكي و قمت بإختباره بنجاح ، ولكن يجب أن تعلم إنه عاجلا
أم أجلا سيلجأون الي نبؤة بينداليس ، فهو الذي كتب كل تفاصيل عن تلك
الأحجار المقدسة التي لا تسقط في الأرض إلا بعد 3000 سنة، إما مسألة أن
يصبح الإنسان إله ، في واقع لا يمكنني أن أتخيل حجم و هول الذي سيحدث "
_ : " معك حق ! ،
بالتأكيد سيكون شيئا رهيبا ، فقط لو قدر لي أن أصبح أحد الألهة المقدسة لكنت
سأنهي وجود هذا الملك و كل الذين أمثاله "
فضحك دانيال بسخرية و نظرا الي كارلوس و قال : " يا إلهي ، صدقني حتي الألهه لا تستطيع زحزحة مؤخرة ذلك ملك عن العرش ! "
فقال كارلوس بكل حماس و إثارة ، ولهفة تتطاير من عينيه : " إذا سأنسفه هو العرش نهائيا !!! "
حل صمت لثواني قليله ،
لما لا يندهش دانيال من هذه الإرادة القوية ، ورغبة كارلوس في تغيير هذا
العالم ، من يدري قد تأتي تلك القوة لتجعل أحد الألهة تولد من جديد من قعر
الظلام ، ربما يأتي ذلك اليوم ، ولكنه ليس بي بعيد ! .
فقال دانيال : " أخبرني أين وضعت الحجر الأصلي الأن !؟ "
فقال كارلوس وهو مرتبك قليلا : " لقد وضعته في كهف ما في الجزيرة بعد أن انفصلت عن جيش بحجة انني اردت قضاء حاجتي ! "
فصرخ دانيال من صدمة و
بدأ يقول : " هل تقصد أنه الأن علي متن الجزيرة !!!!؟ ، أيهااااا اللعين هل
تعلم مدي تضحيات التي ضحينا بها من أجل حصول عليه !؟ "
_ : " أعلم يا دانيال ،
أعلم ذلك جيدا ، ولكن نضحي بالقليل في يومنا هذا ، أفضل من أن يموت الألاف
في يوم غد ، كما لا تقلق عليه فلن يجرؤ احد علي ذهاب لتلك الجزيرة "
فأخفض دانيال رأسه ، وهو
يشعر بقوة كلمات كارلوس المحقة ، فكان يقول في داخله " بلي أن كارلوس محق ،
الأفضل ان نضحي بالقليل علي أن يموت الكثير بسبب هذا الملك " .
ركب كل من كارلوس و
دانيال أحصنتهما و توجها نحو قصر ملك إيبيريوس ، ولكن قبل ذهاب الي قصر
الملك ، قرروا أن يذهبوا لحانة ما ، لشرب بعض النبيذ المنعش بعد إرهاق مجهد
، فقد كاد أن يحل الظلام علي المدينة ولا شئ أجمل من نبيذ منعش و طعام
لذيذ بعد يوم طويل .
في هذه الأثناء في قصر ملك إيبيريوس :
عاد الملك إيبيريوس وهو
خائبا ، خاسئا ، ويشعر بالحسرة و خصوصا إنه شعر بنوع من الإحراج الشديد
أمام شعبه ، فبدأ يفكر و يقول لما لم يكن الحجر المقصود !؟ ، هل يمكن إن
كارلوس قاام بخداعه !؟ ، وبدأ الملك يسير في رواق القصر يمين و يسار ،
حائرا و مستغربا عن هذه الحادثة الغريبة ! .
فوقف أمام تمثال الإله
زيوس ، وبدأ يتأمل ويفكر و يقول " هل كنت تختبرني يا زيوس ؟ ، الي متي
سأبقي مجرد ملك وضيع ؟ ، متي سيعود عصر المجد و حرب الألهة ، من أجل
الخلود و المجد و البقاء و الأبدية !!؟ .
بقي الملك حائرا لفترة من
الزمن ، حتي إستقطع كبير كهنة معبد أوليمبس افكار الملك التي تأتي من هنا و
هناك ، فقام كبير الكهنة بإحضار كتاب قديم ، كان قد أعيدت كتابته قبل فترة
من الزمن ، لأنه الكتاب الأصلي قديم جدا و عمره يعود الي ما قبل 2500 سنة ،
كان الكتاب في حالة مزرية جدا ، فقرروا كهنة المعبد أن يقوموا بإعادة
كتابته حرفيا ، حتي يصبح لديهم نسخة أصلية جديدة ، وقيل إنهم قاموا بكتابة
نسختين ، أحداها تم سرقتها منذ فترة أثناء حرب الإغريق و الفرس ، حيث كان
أحد الكتابين في معبد إثينا ، والأخر في أليكسندروبوليس ، ولكن بعد حرب
الفرس تنم تدمير المعبد و سرقت النسخة الأصلية ، والثانية يعتقد بأنه قد
تمت تحريفها أو تغيير صيغتها ، أما الكتاب الأصلي فقد إختفي نهائيا ، بعد
إعادة نسخه ولا أحد يعلم أين هو الأن ...
جاء كبير الكهنة و معه
نسخة من كتاب و يقول للملك إن الكتاب يقول إن الأحجار الخمسة التي تحمل
خصائص و قوة الألهة لابد أن ينقش عليها الحروف المقدسة ، وذلك النقش هو رمز
لكل إله كبير " .
فقال الملك وبلا مبالاة : " أظن أنك سبق و أخبرتني بهذا ، فأنت لم تأتي بجديد "
_ : " مهلا مهلا لحظة لم أنتهي ، هناك شئ أخر أيضا ، إنه التاريخ ، ويقصد بها اليوم و الشهر و السنة و الوقت "
_ : " أهاا ، وبعد !؟ "
_ : " لقد سقط ذلك الحجر
كما كان المتوقع في النبؤة ، في اليوم الخامس من الشهر الرابع ، والعلامة
الأكيدة هي النجم الأكبر الذي يسطع في السماء من ذلك العام وهذه هي
العلامات المميزة لبداية حقبة جديدة "
_ : " ماذا تقول إذا !؟ ، لقد أرسلت كارلوس و عاد إلي فارغ اليدين ، وقال إنه لا يوجد لاحجر ولا أي شئ ! "
_ : " حسنا يا سيدي ! ، ولكن ماذا إذا كان كارلوس يراوغ و يخادع !؟ "
هناك أثار الكاهن شكوك
الملك الخامدة في قلبه ، هل من ممكن أن يفعلها كارلوس !؟ ، لما لا يفعلها ،
قد يكون الطمع و الرغبة في الحصول علي القوة كفيلة بجعله خائنا للمملكة ،
فأرسل الملك بأوامر سرية منه بأن يقوم بمراقبة كارلوس و كذلك كهنة المعبد
قرروا بأن يضعوا أعينهم علي تحركات كارلوس و دانيال ، هما الوحيدان الذين
يمكن أن يكذبا بشأن حقيقة الأمر ، ومن جهة أخري كان دانيال يشعر بأن هذه
الكذبة لن تدوم طويلا ، إلا إنه تغاضي عن ذلك و قررا إتباع أوامر سيده
كارلوس ماكسيميليا .
في حانة ما في المدينة :
جلس كارلوس و دانيال و
طلب كل منهما نبيذا و بعض الطعام لتناوله ، جلسا يتناولان الطعام بشراهة و
إنسجام ، إلا أن قام شخص غريب المظهر ، غريب الثياب ، كان يرتدي عباءة
سوداء ، شكله غامض جدا ، ملامح وجهه غير ظاهره ، ولكن كلماته كانت واضحة و
صريحة ، قال له بالحرف الواحد " أيها المختار ، سيأتي نور الإكتمال ، حيث
النجم الساطع يظهر في السماء ، سيولد الإله في جزيرة الملاك ، إبحث عن
الحقيقة ، والارادة الكبيرة ، و السر المدفون ، إبحث عن ماضيك ، و عن حقيقتك ،
وكمساعدة مني هنالك مكتبة سرية تحت قصر الملك ، تستطيع فتحها عندما تبصر
عيناك النور ، وتكشف حقيقة سجلاتك و شعبك ، أيها الأمير كارلوس " .
بدأ كارلوس ينظر فقط ،
ولم يفهم شئ مما قال ، فبدأ يتعجب و يتسأل لماذا أصبح الكل غريب الأطوار
فجأة وما علاقته بي أنا !؟ ، فنظرا الي دانيال و قال له " هل فهمت شيئا !؟ "
فأشار دانيال بحركة تعبيريه مفادها أن الرجل ليس سوي مجنون ، فخرج الرجل
من الحانة و تركهم يكملون طعامهم ، وأثناء خروجه قال " أحذر فعين الأسد
تنام ، ولكن عين الذئاب لا تنام " و خرج من الحانة فورا .
بدأ فضول كارلوس يدغدغ
بشدة فخرج ليسأله ماذا كان يقصد ، فلم يجد شئ ، لقد أختفي الرجل وكأن
الرياح قد نثرته ، والغريب أيضا إنه لم يكن أي أثر ، بإستثناء ورقة غريبة
تتطاير و سقطت أمام كارلوس ، فأخذها و كان مكتوبا عليها باللون الأحمر ، "
أتجه نحو النور ، عندما تناديك الملائكة " ، كلام غريب عجيب لايفهم منه إلا
القليل ، فقام بتخبئة الورقة و خرج اليه دانيال و قال له :-
_ : " هل وجدته !؟ "
فقال له كارلوس وهو حائر :
" لا لم أجده ، ولكني أشعر بأن شيئا ما سيحدث ! ، دعنا نعود الي القصر فقد
تأخر الوقت و أصبح المكان مظلما " .
فعادا الي قصر الملك
إيبيريوس وهم علي متن الأحصنة ، فوصل الي بوابة و صرخ كارلوس ، " أنا
الأمير كارلوس ماكسيميليا ، إفتح البوابة حالا !! " ، فتحت البوابة و دخلا
كلا من كارلوس و دانيال ، ولكنه شعرا بشئ ما غريب ، كل عيون الحراس علي
كارلوس ، تكاد نظرات تخترق أجسادهم ، لقد كان إحساس دانيال محقا ، حبل
الكذب قصير دوما ! .
توقف كارلوس عندما شعر بأن هناك شئ ما مريب ، فخرج عليه وزير الملك و قال لكارلوس :-
_ : " نخشي أن الحجر ليس هو الحجر الصحيح ! "
فتكلم كارلوس : _ أخشي إنه لا يمكنني تقديم شئ حيال ذلك ، لقد فعلت ما كان مطلوبا مني "
_ : " هل أنت متأكد !؟ ، لأني لا أشعر بذلك في الحقيقة ! "
_ : " إذا لا يوجد لدي حيلة ما أستطيع إقناعك بها ، إلا إذا كنت تجرؤ علي أن تكذب الأمير ! "
فشعر الوزير بخطورة
ما يقوم به ، فالتصادم مع الأمير بشكل مباشر و إتهامه بالكذب و الخيانة بدون
دليل أمر بالغ الخطورة ، قد ينتهي به الأمر مقطوع الرأس ، فقام الوزير
بترتيب المحادثة و تغيير طريقة الكلام من الحاد الي لطيف فقال :-
_ : " عزيزي كارلوس ، أنت
تعلم إنني لن أشك بك أبدا ، ولكني فقط أخاف أن تقوم بفعل حماقة ما ، فأنت
مثل إبني و أنا الذي أشرفت علي تربيتك وأنت صغير "
_ : " أنا أعلم من رباني جيدا ، لذلك لا تقلق ، فأنت تعلم أخلاقي تمام العلم ، فأنت الذي رباني بعد كل ذلك صحيح !؟ "
كانت هذه العبارة أشبه
بتحدي ما ، أو كأن كارلوس كان يقصد من ورائها شيئا ما خفيا ، كل تلك
المشاعر ، الخوف ، الرعب ، التوتر ، الهاجس ، الغريزة ، الحدس ، كلها كانت
تلف المكان و كأنها أشباح و أرواح هائمة ، فقال الوزير :-
_ : " بلي بلي ، كلامك صحيح يا كارلوس ، علي كل أتمني لك ليلة سعيدة ، ولا تؤاخذني علي ما قلته ، فأنا قلق عليك كما تعلم "
_ : " لا تقلق علي ، فأنا أستطيع تدبر أموري جيدا ، عمت مسائاً سيدي الوزير .. " .